حوار مع أ. عبادة نوح عن والده الشيخ السيد نوح رحمه الله

حوار: آلاء ممدوح

 

عبادة السيد نوح:

مَنَّ الله على شيخنا – رحمه الله تعالى – بالقُدرة على الجمْع بيْن العِلم والعمل، وقد كان له السَّبْق في التنويهِ بالحافظ المِزي، والكشف عن كتابه تهذيبِ الكمال.

عبادة السيد نوح – صحفي في مجلَّة الوعي الإسلامي – الابن الأوسط للشيخ – كان أشبهَ بالسكرتير الخاصِّ للعلاَّمة الشيخ السيد نوح، وكان لنا معه هذا الحوار.

في البداية نودُّ التعرُّفَ على صِفات الشيخ العلاَّمة السيد نوح: الإنسانية والخلقية؟

بدايةً، عُرِف الوالد الشيخ سيد نوح بكثيرٍ من الصفات الإنسانية، التي غابتْ عن الساحة الدعوية اليومَ، مِن مِثل تواضُع العلماء، ودَمَاثة الخُلق، وحُسْن المعاشرة، والعمل لله بإخلاص وتَفانٍ، والحب الدَّعوي.

♦ ماذا كانتْ صِفات التكوين العلمي لدَى شيخنا الراحل العلاَّمة السيد نوح؟

لقد مَنَّ الله على شيخنا – يرحمه الله – بالقُدْرة على الجمْع بيْن العلم والعمل، فهو شيْخٌ أزهري، متخصِّص في السُّنة وعلوم الحديث، عامِل بما علِم، فكان صوَّامًا قوَّامًا، ذاكرًا لله تعالى، وكانتْ له دُروسُه التعليمية لكلِّ الفئات: للعمَّال، ولطلبةِ العِلم، وللمتخصِّصين في العلم الشرعي.

كذلك جمَع بيْن الدعوة والتأصيلِ الشرعي، لا سيَّما أنَّه ماهر بالقرآن؛ حفظًا وتلاوة، واستحضارًا واستشهادًا، فكان يتحرَّك بعِلْمه.

بالإضافةِ إلى أنه كان يوصِّل المعاني الكبيرةَ بأسلوب ميسور، يفهمه الجميع، واستطاع أنْ يمزجَ بيْن العلم الرَّصين، وإيصاله للناس بشكلٍ يتلاءم معهم.

ويمكن القول بأنَّ تأثُّر الوالدِ في مرحلة شبابه بالشيخ الدكتور إبراهيم الدسوقي خميس، والشيخ عبدالفتاح سلطان، والشيخ عبدالسلام أبي الفضل – إمام مسجد العبَّاسي في المحلَّة الكبرى في ذلك الوقت – الذي تتلمذَ عليه هو ومحمَّد محمَّد الشريف، وحسن الحِفْناوي، وكتاب “العبادة في الإسلام” للشيخ يوسف القرضاوي، أسهموا بشكلٍ كبير في تكوينه العِلمي والدعوي الرصين.

♦ ما هي الآثارُ العِلمية التي خلَّفَها الشيخ السيد نوح؟

الوالد درَّس في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة فورَ تخرُّجه لمدة 9 سنوات، ثم انتُدِب أستاذًا زائرًا في كلية الشريعة بدولة قَطَر عام 1981م؛ حيث كان عميدُها في ذلك الوقت الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، ثم انتقَل إلى الإمارات عام 1982م، ومَكَث فيها حتى عام 1993م، وهو العام الذي انتقَل فيه إلى كليةِ الشريعة بجامعة الكويت أستاذًا للحديث وعلومه، إلى أن وافَتْه المنيةُ منتصفَ 2007.

كذلك أسْهَم بالتحكيم في أكثرَ مِن 15 بحثًا علميًّا في مجلاَّت عِلمية معتمَدة في الكويت، وبقية دُول الخليج، وبلدان أخرَى من العالَم الإسلامي، وكان له سلسلةٌ إذاعية، وكتَب في بعضِ المجلاَّت الإسلامية، وشارَك في العديدِ مِن الندوات والمؤتمرات والمحاضرات.

♦ كثُرَتْ مؤلَّفات الشيخ السيد نوح، فما هي؟
للشيخ السيد نوح الكثيرُ مِن المؤلفات، التي تصل إلى 25 كتابًا، أبرزهم: ( توجيهات نبوية، آفات على الطريق، منهج الرسول في غرْس رُوح الجهاد في نفوس الصحابة، شخصية المسلِم الفردية والجماعية، الدعوة الفردية في ضوء نهج المسلم الإسلامي).

♦ ما هي جهودُه الكبيرة في عِلم الحديث؟

الوالد – يرحمه الله – بدأَ تخصُّصه في الماجستير والدكتوراه عن علومِ السُّنة والحديث، فتناول في الماجستير موضوع: “زواج النبي بزينب بنت جحش، ورد المطاعِن التي أُثيرت حولَه في ضوْء المنهج النقدي عندَ المحدِّثين” مِن جامعة الأزهر عام 1393هـ – 1973م، وفي الدكتوراه تناول موضوع: “الحافظ أبو الحجَّاج يوسف المِزيُّ وجهوده في كتابه تهذيب الكمال” مِن جامعة الأزهر أيضًا عام 1396هـ – 1976م، وقد كان له السَّبْقُ في التنويهِ بالحافظ المِزيِّ، والكشْف عن كتابه “تهذيب الكمال”.

ثم كانتْ له أبحاثٌ مُحكَّمة نَشَرتْ معظمَها مجلةُ الشريعة والدِّراسات الإسلامية التي تصدر في الكويت، ثم نشرَها بعدَ ذلك في كُتبٍ مستقلَّة.

ومِن هذه الأبحاث: “عِلم الطبقات – حقيقته، وقيمته العِلميَّة والحضارية”، تناول فيه تاريخَ عِلم الطبقات، وبيَّن فوائدَه وثمراتِه، ومنهجَ العلماء في تحديدِ الطبقات، مع التمثيل لذلك.

ومنها كتاباه: “الصحابة وجهودُهم في خِدمة الحديث النبوي”، وكتاب: “التابِعون وجهودهم في خِدمة الحديث النبوي”، شاركه فيه الدكتور عبد الرزَّاق الشايجي – الأستاذ بكلية الشريعة بالكويت – بيَّنا فيهما جهودَ الصحابة والتابعين في خِدمة السُّنة تحمُّلاً وأداءً، وذَكرَا أنَّ جهود التابعين في حاجةٍ إلى الدِّراسة والاهتمام في هذا المجال.

ومنها كتابه – بالمشاركة أيضًا – بعنوان: “مناهج المحدِّثين في رواية الحديث بالمعنى”، أوْرَد فيه مذهب المجوِّزين رواية الحديث بالمعنى، مع ذِكْر ضوابطهم وأدلَّتهم، كما أوْرَد مذهبَ المانعين لهذا الأمْر مع بيان مسوِّغاتِهم وأدلَّتهم، ورجَّح مذهب المجوِّزين؛ لقوَّة الأدلة نقلاً ونظرًا، مع اعتبار شروط ذلك.

ومِن كتبه في الصَّنعة الحديثيَّة كتابه: “درْء تعارض أحاديث كراء الأرض”، أورد فيه الأحاديثَ التي تُبيح كراءَ الأرض، والأحاديثَ التي تَحْظُره، ودرَأ التعارض بينها على طريقةِ الأصوليِّين المحدِّثين.

♦ علمنا بخروجِ الشيخ للكويت تاركًا مصر، فما كان سببُ ذلك الرحيل؟
الشيخ خرَج من مصر عام 1992م؛ لظروفٍ متعلِّقة بالحالة الأمنية في بلادنا التي تتفنَّن في ملاحقةِ الربَّانيِّين، وظلَّ حتى عام 2003م لم يَرَ أُمَّه إلى أن استقدَمها للكويت في العام نفسه، وذهَب معها إلى الأراضي المقدَّسة؛ ليقضيَ معها فريضةَ الحج، ولم يرجعْ إلى مصر إلا مريضًا في أواخِر عام 2005م في مستشفى دار الفؤاد بمدينة 6 أكتوبر بالقاهرة.

♦ ولكن العجيب كيف ظلَّتْ شمعتُه منيرةً على الرغم مِن بُعْده عن أرض وطنه؟!
أعتقد أنَّ هذا يرجع في الدرجة الأولى إلى الصِّدق والإخلاص؛ لأنَّ العمَلَ الناجح لا يُتقبَّل إلاَّ بهذه الصِّفة، كذلك حرَص الوالدُ على العمل المَيْداني، والتحرُّكِ في المستويات كافَّة، وتفنُّنه في خِدمة الناس على أشكالها المختلِفة، وقضاء حوائجهم، كما كان نشِطًا في الجانبِ الاجتماعي، فلا يُقصِّر في حقٍّ من الحقوق الاجتماعية العامَّة، ولا الحقوقِ الاجتماعية الخاصَّة، فضلاً عن علاقاتِه الاجتماعية مع رِفاق دَرْبه.

♦ كانتْ لشيخِنا مجهوداتٌ عظيمة، فما أبرزُ جهود الشيخ الدعوية والحركيَّة؟
الشيخ سيد نوح نذَر حياتَه كلَّها لله، وجعَل نفسه وقفًا للدعوةِ في وقت مبكِّر من حياته، ولقد كان لانتمائه إلى الحركةِ الإسلامية أثرٌ بالِغ في انطلاقته المبارَكة، وفي فَهْمه للإسلام، وفي حمْلِه لقضايا الأمة وهمومها، لا سيَّما قضية فلسطين، التي كان لها مكانُتها وقِيمتها عندَه في كلِّ محْفل، وفي كلِّ خُطبة.

ولقد تَوزَّعتْ جهودُه الدعوية في مجالاتٍ عِدَّة، فكان خطيبًا متطوِّعًا في وزارة الأوقاف الكويتية منذ 1994م، حتى وفاته، ويُلقِي الدروس، ويتحدَّث في الندوات، ويَحْضُر المؤتمرات، حتى وافاه الأجَلُ المحتوم.

كذلك جعَلَه الله سببًا في كفالة كثيرٍ من الأيتام، وفي إطلاق سراحِ كثيرٍ من المسجونين المعسِرين، وفي توفيرِ الأدوية لكثيرٍ مِنَ المرضى، وفي توفير فُرَص عمل للعاطلين، وفي قضاءِ مصالِح الناس وحوائجهم، كلُّ ذلك عَبْرَ دعوته للخير عن طريقِ أهل الخير؛ حيث كان مسجدُه “الوزان” منارةً ومدرسة، تقوم بما لا تقومُ به مؤسَّسة متخصِّصة في العملِ الخيري.

كناَّ نطمع في إلْقاء الضوء على حياه شيخنا الاجتماعية بشكلٍ موجَز؟

وُلِد الشيخ في عِزبة السِّباعي التابعة لقرية الكوم الطويل، في مركز بيلا، بمحافظة كفر الشيخ، بجمهورية مصر العربية، وأتَمَّ حِفْظ القرآن الكريم وهو ابن ثمانية أعوام، ثم انتَقَل إلى المعهد الأزهري الابتدائي بكفر الشيخ، ثم إلى المعهد الأزهري الثانوي بالمحلَّة الكبرى بمحافظة الغربية؛ ليحقِّقَ في الثانوية الأزهرية ترتيبَ الأول على محافظته، والثالث على الجمهورية، ثم تخرَّج في كلية أصول الدِّين بجامعة الأزهر بالقاهرة، وتدرَّج حتى حصَل على العالمية “الدكتوراه” عام 1976م، وتزوَّج من أخت الشيخ زين العابدين العَشْري – أحد زملائه الذين كان يحبُّهم ويتأثَّر بهم – وأقام في المحلَّة الكبرى بمحافظةِ الغربية، وأنْجَب عشرةً من الأولاد: تِسعة ذكورٍ، وبنتًا واحدة.

المصدر: شبكة الألوكة